الفصل الأول:
خريف 1977 كان المقهى الصغير منزويا في الجزء القديم من نيس ويتردد عليه أهل الحي فقط. ولا يرتاده السائحون وهو ما جذب وولف ويكفيلد إليه.
كان كل شيء يسير بالعكس بالنسبة له من البداية للنهاية في ذلك اليوم. لكن الشراب وأدوار لعب الورق مع الصيادين في الناحية خففا من مرارته. لا أحد هنا يعرف أنه ممثل الفيلم الذي يجري تصويره في المنطقة.
عندما غادر المقهى مع أصدقائه الجدد كان ذلك بعد إغلاقه, بعد سباب رئيس البوفيه لهم. كان رفقاء الشراب يسيرون بجواره وهو نفسه كان يترنح حتى سيارته.
جلس وولف وذهنه غير صاف وراء عجلة قيادة السيارة الچاجوار التي استأجرها بسعر زهيد وكانت تستهلك وقودا ضخما وإن كانت مزودة بجهاز ستريو ومحرك قوي.
خرج من المدينة بسرعة كبيرة ليصعد نحو التلال الخضراء حيث تقع وسطها الفيلا التي يسكنها. كان ينهب المنحنيات دون أن يهدئ من السرعة مما يزيد بهجته ونشوته من الشراب.
بدت الحياة جميلة بالنسبة له في تللك اللحظة ونسي تقريبا متاعب ومضايقات النهار. من الأفضل أن يتمسك بالجوانب الإيجابية. لقد أصبح معروفا وانتهى الأمر بأن لاحظوا عمله وأصبحت أدواره منتقاة شيئا فشيئا وهناك من يدفع أجر إقامته في أوروبا التي كان دائما يعشقها.
كان قد واصل دراساته في فرنسا و ألمانيا عندما كان يحس في أي مكان أنه في وطنه.
ماذا يطلب أكثر من هذا؟
ضغط بدال السرعة بشدة ودخل في ملف شديد الانحناء عندما سمع صريرا. تصور في البداية أن ذلك من وحي خياله. ولكن الأمر أصبح واقعا... وقف بالسيارة في الحال على جانب الطريق واستدار نحو الخيال الموجود على الأريكة الخلفية. لم يصدق عينيه: إنه يقل معه مسافرا خفيا. سمع صوتا يقول:
- لا تتعب نفسك, على أية حال أنا التي تدحرجت من جانب لأخر وفي كل اتجاه بسبب قيادتك الهوجاء.
قال وولف وهو مذهول ويتأمل الفتاة ذات الشعر الأسمر المحمر والعينين اللامعتين التي ظهرت أمامه:
- قيادة هوجاء؟ ماذا تفعلين في سيارتي بحق الحق؟
أجابت الشابة:
- إنني أختفي. إنني مطاردة من الوصي بي إنه يدعي أنه يريد استرداد الأموال التي أدين بها لأمه وفي رأيي أنه يريد أكثر من هذا .
- أليس لك عمل ؟
- إنني أبحث عن عمل. إنني أحاول أن أظهر في بلاتوه تصوير فليم يجري تصويره في هذه المنطقة...هل تفهم ماذا أقصد؟
رد عليها وولف وقد تجهم من تأثير الصداع الذي كاد يحطم رأسه.
- أعتقد ذلك. هل يمكن أن تجلسي في المقعد الأمامي؟
وهل يجب علي أن أنزلك في مكان ما؟
دهش من نفسه لأنه تصرف بهذه الكياسة في حين كان من الواجب أن يغضب من هذا التطفل. عندما جلست الشابة على المقعد المجاور له,لاحظ ساقيها الطويلتين اللتين برزتا من الشورت القطني الذي ترتديه: أخذ وولف
يسب ويلعن في نفسه.. إنها ليست سوى صبية صغيرة.
أجابت على سؤاله:
- لايهم أي مكان بشرط ألا يعثر بير علي ولا داعي لأن تنظر إلي بهذه الطريقة. سأدفع للوصية حالما أحصل على نقود ولكني لا أريد بأي حال من الأحوال أن يضربني ابنها
سألها وولف بصوت مرهق:
- كيف أتيت إلى فرنسا وليس معك نقود؟
لم ينتبه إلى ردها لأن صداعه ازداد سوءا:
-لقد ترك لي والدي وديعة صغيرة عند موته... إيه! هيا سر بطريقة
هادئة فإنني لازلت صغيرة على الموت.
- ماأسمك يا آنسة؟
- بليندا برونسكي.
- بليندا! إن هذا الاسم يبدو فريدا ويذكرني بالأسماء التي تستخدم
في روايات جدتي.
استاءت الفتاة وقالت:
- أحقا ما تقول؟ أنا آسفة بالنسبة لك ولكنه اسمي الحقيقي ولم أخترعه.
- هل كان والداك يكرهانك إلى هذه الدرجة؟
-لاجدوى من أن تكون ساخرا وأنت الذي تقوم بالدور السيئ. لقد أحتسيت الشراب بشراهة وغدا سيتصلب فكك ولن يرتخي طوال النهار وهذا سيعلمك ألا تسخر من اسمي.
- ولكني لا أسخر. إنه مثير للسخرية في حد ذاته.
قالت بصوت بارد كالثلج وهي تستدير ناحية النافذة:
- لطيف منك ما تقوله.
ساد صمت ثقيل بينهما وبعد ثلاثة كيلو مترات من السير وقف وولف بين عمودين يحدان المدخل الصغير الملتوي وسط غابة الصنوبر ثم انطلق بالسيارة دون أن يهدئ السرعة. ما إن وصل إلى أعلى حتى وقف فجأة وسط مسطح من الحصى. قال:
- ها نحن قد وصلنا. وإذا استطعت أن تظلي مختفية حتى لاتزعجيني فيمكنك استخدام أريكة الصالون وإلا فتصرفي بمعرفتك.
قالت "بليندا" في تهكم:
- هذا كرم كبير من جانبك.
بدأ "وولف" الحديث وأعصابه مشدودة للغاية.
- اسمعي... أنا...
قاطعته في الحال:
-لا بأس.. لا بأس. لن أقول شيئا.
خرجا من السيارة. كانت الفيلا البيضاء التي يضيئها القمر أحسن مكان عرفته الشابة من شهور مضت. كانت تخشى دائما الوحدة هذا الرجل على الأقل أمريكي. ولا يبدو عليه مظهر السفاحين بل إنه فتى مليح. ثم إنها يجب أن تتجاوز عن مغازلته لأنه ليس في كامل وعيه.
بدأت "بليندا" تضحك. وسألته:
- هل تحب الشراب في الصباح؟ يمكنني أن أحضر لك منه من السوق من أجل الإفطار.
زفر "وولف" وهو يمرر يده على جبهته.
- لا. بالأخص الشراب. لدي إجازة غدا وأنوي أن أنام حتى المساء وإذا بقيت فأرجوك ألا تصدري أي ضجة.
قالت الشابة بإلحاح وهو يدخل البيت دون أن يعيرها أدنى إلتفات:
- ألا أستطيع على الأقل أن أحصل على غطاء؟
لم تكن "بليندا" قد تركته قيد أنمله. قال وهو يلوح بيده في اتجاه غير محدد:
- ماذا؟ آه نعم! في دولاب البهو.
- هل يمكن أن تدلني عليه؟
زمجر "وولف".
- من الأفضل أن ألقي بك في البحر.
ومع ذلك ذهب معها إلى البهو وقد تضاعف الصداع وأحس بأن نافوخه سينفجر. قالت "بليندا:
- يجب عليك أن تكف عن الشراب.. ربما كانت لديك حساسية ضد الشراب المنعش.. إنك تبدو فعلا مريضا.
- أنا قيادتي سيئة وأنا أبدو مريضا.. هل هناك شيء آخر تودين أن تنتقديه في؟
سحب درجا في غضب وكان مملوءا بالأغطية المطوية.
- هذه مجرد نصيحة ويمكنك أن تستشير طبيبا نفسيا حتى يمكن أن يرتب عقلك.
- لا داعي لذلك فليس لدي عقل ثم تصبحين على خير ولا تقولي أي شيء آخر.
عاد ناحية الدرج فقالت:
- حسنا جدا. مادام هذا هو الذي تريده.
توسل إليها وهو في منتصف الدرج:
- اللعنة. أرجوك اخرسي!
ردت عليه "بليندا" قبل أن يختفي.
- أيها اللعين!
لم يعرها "وولف" أدنى انتباه. وصل إلى حجرته وألقى ملابسه على الأرض وألقى بجسده على السرير ووجهه لأسفل. حيث استغرق في نوم عميق
استمتعوا لمرة الجاية فى الفصل التانى للقصة
مع تحيات فراشة الحب